نهر الغدير: فضيحة بيئية مستمرّة في قلب كفرشيما

مقالة تكشف كيف تحوّل نهر الغدير في كفرشيما من شريان حياة إلى كارثة بيئية من صنع الإنسان، وتناقش أسباب التلوّث، كلفته الصحية والاقتصادية، ولماذا أصبح الصمت أخطر من التلوّث نفسه.

Kfarchima Soul

12/23/20251 min read

يمرّ نهر الغدير في كفرشيما كجرحٍ مفتوح، لا لأن الطبيعة قست عليه، بل لأن الإنسان تخلّى عن مسؤوليته. ما كان يُفترض أن يكون شريان حياة، تحوّل مع الزمن إلى مجرى للتلوّث، تختلط فيه مياه الصرف الصحي بالنفايات الصناعية، وتغيب عنه أي معايير للحماية أو المحاسبة. هذه ليست أزمة عابرة، بل كارثة مزمنة تُراكم آثارها يوماً بعد يوم.

التلوّث في نهر الغدير ليس وليد الصدفة. هو نتيجة مباشرة لسنوات من الإهمال، وغياب التخطيط، وتداخل الصلاحيات، وتطبيع الخطأ. حين يُسمح للمصانع بتصريف مخلفاتها دون معالجة، وحين تُترك شبكات الصرف بلا حلول جذرية، يصبح النهر مرآة صادقة لفشل الإدارة لا لفشل الطبيعة. الأسوأ أن هذا الفشل اعتادته الناس، فصار القبح مألوفاً، والضرر “أمراً واقعاً”.

الضرر لا يتوقف عند منظرٍ مشوّه أو رائحة خانقة. نهر ملوّث يعني أرضاً ملوّثة، وهواءً ملوّثاً، ومياهاً جوفية مهدَّدة. يعني مخاطر صحية تتراكم بصمت، من أمراض تنفّسية وجلدية إلى آثار بعيدة المدى لا تُقاس بسهولة. ويعني أيضاً خسارة اقتصادية حقيقية، حيث تتراجع قيمة الأراضي، وتغيب فرص الاستثمار، ويُدفع الشباب أكثر فأكثر إلى الهجرة بحثاً عن بيئة صالحة للحياة.

لكن الخسارة الأعمق هي الخسارة المعنوية. حين ينشأ الأطفال وهم يرون نهراً ميتاً، يتعلّمون دون أن يُقال لهم إن الإهمال طبيعي، وإن العام لا يخصّ أحداً، وإن الصمت أسلم من المواجهة. بهذا المعنى، يصبح التلوّث ثقافة، لا مجرد مشكلة تقنية. وتصبح المعالجة مستحيلة ما لم تتغيّر الذهنيات قبل البنى التحتية.

إنقاذ نهر الغدير لا يبدأ بحملات تجميل مؤقتة، بل بقرار واضح بأن ما يحدث جريمة بيئية لا تُغتفر. يبدأ بتطبيق القوانين القائمة، لا باختراع أعذار جديدة. يبدأ بشفافية كاملة حول مصادر التلوّث، وبمحاسبة عادلة، وبخطة طويلة الأمد لمعالجة الصرف الصناعي والإنساني معاً. ويبدأ أيضاً بدور المجتمع، لأن السكوت مشاركة، والضغط الشعبي هو ما يكسر حلقة التأجيل.

نهر الغدير ليس عبئاً على كفرشيما، بل أمانة في أعناق أهلها والمسؤولين عنها. إعادة الحياة إليه هي استعادة لكرامة المكان، ولحق الناس في بيئة نظيفة، ولمستقبل لا يُبنى على قبول الخراب. ما زال الوقت متاحاً، لكن كل تأخير يجعل الكلفة أعلى، ويجعل الجريمة أعمق.

إخلاء مسؤولية :

هذا المقال يعكس رأياً تحليلياً توعوياً يهدف إلى تسليط الضوء على قضية بيئية عامة تمسّ الصحة والبيئة والمصلحة المجتمعية. المعلومات الواردة مبنية على ملاحظات عامة ومعطيات متداولة، ولا تُعدّ اتهاماً مباشراً لأي جهة أو شخص بعينه. الغاية من النشر هي رفع الوعي والدعوة إلى المعالجة والمسؤولية، لا التشهير أو التحريض، وكل قراءة أو استخدام للمحتوى تقع ضمن هذا الإطار.