لماذا كان صوت كفرشيما مخنوقاً كل هذه السنين؟
تتناول هذه التدوينة أسباب غياب الصوت العام لكفرشيما عبر التاريخ، رغم غناها بالشعر والذاكرة والقدرة على التعبير. تشرح كيف تحوّل الخوف من الكلام إلى ذهنية موروثة تعود جذورها إلى فترات القمع التاريخي، وكيف أثّر ذلك على غياب الصحافة والدور العام للبلدة. المقال دعوة لفهم الصمت لا كضعف، بل كنتيجة تاريخية، ولإعادة إعطاء كفرشيما صوتها كفعل وعي وشفاء واستعادة للوجود.
صحافة
Kfarchima Soul
12/23/20251 min read
رغم أنّ كفرشيما أنجبت شعراً، وماءً ممذوج بالحكمة، وذاكرة، وقدرة عميقة على التعبير، بقي صوتها العام خافتاً، كأنّ البلدة غير موجودة خارج حدودها الجغرافية. لا صحافة تعبّر عنها بجرأة، ولا خطاب عام يحمل وجعها وأسئلتها، ولا رواية واضحة تقول: نحن هنا. هذا الصمت ليس صدفة، ولا كسلاً ثقافياً، بل نتاج تاريخ طويل من الخوف المتراكم.
كفرشيما لم تكن يوماً بلا فكر أو حسّ شعري. على العكس، في الماء المحيط بها، وفي طبيعتها، وفي بيوتها القديمة، وُلدت لغة غير مكتوبة: لغة التأمّل، والانسحاب، والكلام المنخفض. الشعر كان موجوداً، لكن في الداخل. الحكايات كانت تُقال، لكن همساً. أما الصحافة، فلم تتحوّل إلى صوت، لأنها وُلدت مكبوتة قبل أن ترى النور.
لفهم هذا الصمت، لا بدّ من العودة إلى المرحلة التي عاش فيها الجبل، ومنها كفرشيما، تحت حكم الدولة العثمانية. في تلك الحقبة، لم يكن الكلام ترفاً، بل خطراً. الكلمة كانت تُحاسَب، والسؤال يُعاقَب، والاختلاف قد يكلّف صاحبه حياته أو رزقه. تعلّم الناس، جيلاً بعد جيل، أن السلامة في الصمت، وأن النجاة في عدم الظهور.
هذا الخوف لم ينتهِ بسقوط الحكم العثماني. بل تحوّل إلى ذهنية موروثة. انتقل من السياسة إلى المجتمع، ومن السلطة إلى العائلة، ومن السجن الحقيقي إلى السجن الداخلي. صار التعبير مخاطرة اجتماعية، والكلام “زيادة عن اللزوم”، والاعتراض وقاحة. هكذا، لم تُقتل الكلمة، بل رُوّضت.
في كفرشيما، كما في كثير من بلدات الجبل، نشأ وعيٌ يقول: عِش وامشِ بمحاذاة الجدار. لا تُسمِّ الأشياء بأسمائها، لا ترفع صوتك، لا تكن أوّل من يتكلّم. هذه الذهنية صنعت أفراداً أذكياء، حسّاسين، ومبدعين… لكن صامتين في الفضاء العام. الإبداع بقي خاصاً، لا عاماً. الشعر بقي في الدفاتر، لا في الساحات. الصحافة بقيت فكرة، لا ممارسة. وعندما يُنقل كفرشيماويّ حرّ ومبدع إلى فضاءٍ حرّ كأميركا، تتحرّر أفكاره، وتتحوّل إلى صوتٍ جماعيّ، ينطق بما عجزت البلدة عن قوله طويلاً.
ومع الزمن، صار غياب الصوت يُشبه العدم. بلدة بلا رأي مسموع تُعامل كأنها بلا وجود. تُتَّخذ القرارات عنها، لا معها. تُهمَّش، لا لأنها ضعيفة، بل لأنها لم تتعلّم كيف تتكلّم بصوت عالٍ دون خوف.
إعطاء كفرشيما صوتاً اليوم ليس فعلاً إعلامياً فقط، بل فعل شفاء تاريخي. هو كسر لسلسلة صمت عمرها قرون. هو إعلان أن الخوف لم يعد يحكم الحاضر، وأن الكلمة لم تعد جريمة. الصحافة هنا ليست مهنة، بل استعادة حق. والشعر ليس هروباً، بل جسراً بين الداخل والعالم.
كفرشيما لا تفتقر إلى الصوت.
هي فقط تعلّمت طويلاً أن تخفيه.
والوقت حان ليُسمَع.
إخلاء مسؤولية ::: هذه العبارة تُستخدم بمعناها الرمزي والفكري، ولا تهدف إلى تعميم أو تمثيل رسمي لأي فرد أو مجموعة أو بلدة بعينها. المقصود بها الإشارة إلى أثر الحرية والمساحة الفكرية في إطلاق الإبداع الفردي، وما قد ينتج عنه من تعبير يعكس هموماً وتجارب مشتركة، لا ادّعاء التحدث باسم الآخرين أو مصادرة أصواتهم. الغاية هي التأمّل في دور الحرية في تحرير الفكر، لا إصدار أحكام أو تمثيل حصري.
Helping Kfarchima grow hand in hand
Kfarchima Community © 2025. All rights reserved.
Disclaimer ::: Kfarchima Community is an independent news and commentary website operated by a single publisher. All articles, opinions, and interpretations published on this website reflect the personal views of the publisher and are provided for informational purposes only. While reasonable efforts are made to ensure accuracy, the website does not guarantee that all information is complete, current, or free of errors. This website is not affiliated with any government body, political party, religious institution, or official municipality. The publisher assumes no liability for actions taken based on the content of this website. This disclaimer may be updated at any time without prior notice.
