لماذا همَّشت بعبدا كفرشيما… ولا تزال؟ جذور التهميش منذ العهد العثماني
يتناول هذا المقال الجذور التاريخية لتهميش كفرشيما من قبل بعبدا، بدءًا من العهد العثماني وصولًا إلى الدولة الحديثة. يشرح كيف بُني النفوذ في المنطقة على القرب من السلطة لا على الإنتاج أو الثقافة، وكيف أُقصيت كفرشيما بسبب استقلالها الاقتصادي والفكري وغيابها عن شبكات الزبائنية السياسية. المقال يقدّم قراءة نقدية للإهمال المتعمّد الذي حوّل البلدة إلى مساحة مستباحة للأزمات، ويطرح فكرة أن التهميش لم يكن ضعفًا، بل نتيجة لرفض التدجين.
تاريخ
تاريخ كفرشيما
12/26/20251 min read
لم يكن تهميش كفرشيما حدثًا طارئًا أو نتيجة أزمة حديثة، بل هو مسار تاريخي طويل تعود جذوره إلى أيام السلطنة العثمانية، واستمر بأشكال مختلفة حتى يومنا هذا. لفهم ما جرى، لا بد من النظر إلى العلاقة غير المتوازنة بين المركز الإداري والسلطوي في بعبدا، وبين البلدة التي امتلكت الإنسان والأرض والفكر، لكنها لم تمتلك القرار.
في العهد العثماني، كان معيار النفوذ يقوم على القرب من السلطة لا على الإنتاج أو الثقافة. بعبدا، كمركز إداري وقضائي، حازت الامتيازات والوظائف والوساطة المباشرة مع الولاة، فيما بقيت كفرشيما خارج دائرة الرعاية السياسية، رغم حيويتها الاقتصادية والزراعية. البلدة لم تكن “متمردة”، لكنها كانت مستقلة أكثر من اللازم، وهذا وحده كان سببًا كافيًا لتهميشها.
كفرشيما لم تُبنَ على منطق الإقطاع السياسي، بل على العمل، والحرفة، والتعليم، والهجرة الواعية. هذا النموذج لا يريح السلطة، لأنه لا يخضع بسهولة، ولا يطلب الحماية، ولا يبيع صوته مقابل خدمات. في المقابل، بُني نفوذ بعبدا تاريخيًا على موقعها الإداري، لا على مشروع اقتصادي أو ثقافي خاص بها، ما جعلها حريصة على إبقاء القرى المحيطة في حالة تبعية.
مع نهاية العهد العثماني وبداية الانتداب، تغيّرت الأسماء ولم يتغيّر السلوك. بعبدا بقيت مركز القرار، وكفرشيما بقيت خارج الأولويات. المشاريع، البنى التحتية، المدارس الرسمية المتقدمة، الاستثمارات العامة، كلها مرّت من فوق كفرشيما أو توقفت عند حدود غيرها. البلدة كانت تُستَخدم عند الحاجة: أرض للبناء، مكان للصناعة الملوِّثة، مستوعب للأزمات… لا شريكًا في التخطيط.
الأخطر أن هذا التهميش لم يكن دائمًا صريحًا، بل جاء بصيغة الإهمال المتعمَّد. لا قرار يمنع التطوير، ولا خطة تدعمه. لا منع مباشر، ولا دعم فعلي. هكذا تُخنق البلدات بهدوء. ومع الوقت، يتحوّل الغياب إلى أمر واقع، ويُطلب من الناس التكيّف بدل الاعتراض.
سياسيًا، لم تكن كفرشيما جزءًا من شبكات الزبائنية القوية التي تربط بعبدا بالمركز. لم تُكافأ على ولاء، ولم تُعاقَب على معارضة، بل تُركت معلّقة في الفراغ. هذا الوضع جعلها عرضة لأن تُستَخدم كمكبّ، أو منطقة صناعية فاشلة، أو امتداد سكني بلا خدمات، من دون أن تمتلك القوة المؤسسية لفرض بديل.
اليوم، بعد أكثر من قرن، لا يزال المنطق نفسه قائمًا. بعبدا تتعامل مع كفرشيما كملحق جغرافي لا ككيان حيّ. التهميش لم ينتهِ، بل تغيّرت أدواته. من العثمانيين إلى الدولة الحديثة، بقي القرار بعيدًا عن أهل البلدة.
لكن التاريخ يُثبت أمرًا واحدًا: كفرشيما لم تُهمَّش لأنها ضعيفة، بل لأنها لم تكن قابلة للتدجين. وهذا بالضبط ما يجعل استعادة دورها ممكنة، إن امتلكت قرارها، وكتبت روايتها بنفسها، وخرجت من انتظار اعترافٍ لم يأتِ يومًا من المركز.
تنويه: هذا المقال يقدّم قراءة تحليلية تاريخية–سياسية لمسار التهميش الذي تعرّضت له بلدة كفرشيما عبر مراحل مختلفة، انطلاقًا من السياق العثماني وصولًا إلى الحقبة المعاصرة. لا يهدف النص إلى توجيه اتهامات قانونية أو شخصية لأي جهة أو إدارة محددة، بل إلى فهم الأنماط العامة في إدارة المناطق والعلاقة بين المركز والأطراف. الآراء الواردة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وتُطرح في إطار البحث والنقاش العام وحرية التعبير.


Helping Kfarchima grow hand in hand
Kfarchima Community © 2025. All rights reserved.
Disclaimer ::: Kfarchima Community is an independent news and commentary website operated by a single publisher. All articles, opinions, and interpretations published on this website reflect the personal views of the publisher and are provided for informational purposes only. While reasonable efforts are made to ensure accuracy, the website does not guarantee that all information is complete, current, or free of errors. This website is not affiliated with any government body, political party, religious institution, or official municipality. The publisher assumes no liability for actions taken based on the content of this website. This disclaimer may be updated at any time without prior notice.
